هذا خطاب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن واقعٍ حدثَ له مع الكفار: ﴿وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً... ﴾ [الأنبياء: ٣٦] و (إنْ) هنا ليست شرطية، إنما للنفي كما في قوله تعالى: ﴿الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ... ﴾ [المجادلة: ٢] أي: ما أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم.
فالمعنى: إذا رآك الذين كفروا لا يتخذونك إلا هُزُواً، أي: يهزأون بك، لكن ما وَجْه الهُزْو هنا؟
قولهم: ﴿أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ... ﴾ [الأنبياء: ٣٦] أي: يعيبها ويسبُّها، ويقول عنها: إنها باطلة ومعنى ﴿أهذا... ﴾ [الأنبياء: ٣٦] كأنهم يستقلّونه، ويستقلّون أنْ يقول هذا عن آلهتهم.
والذكر قد يكون بالخير، وقد يكون بالشر، فإنْ ذكرك صديق تتوقع أنْ يذكرك بخير، وإنْ ذكرك عدو تتوقع أنْ يذكرك بشرٍّ، وطالما أن محمداً سيذكر آلهتهم، فلا بُدَّ أنه سيذكرها بشرٍّ، والشر الذي ذكره محمد عن آلهتكم أنها أصنام وحجارة لا تضرُّ ولا تنفع. ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ... ﴾ [فاطر: ١٤].
ثم يقول تعالى: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] فكيف تتعجبون وتغضبون أنْ يسُبّ محمد آلهتكم الباطلة، وأنتم تسبُّون الإله الحق، وتكفرون به، ونلحظ أن السياق ذكر الضمير العائد عليهم مرتين: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] ليؤكد أن ذلك حدث منهم.


الصفحة التالية
Icon