فيمكن أن نتبع هذا أو هذا، دون أنْ يقصروا أنفسهم على شيء واحد.
وفي الثانية قالوا: ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ... ﴾ [المائدة: ١٠٤] يعني: يكفينا، ولا نريد زيادة عليه، فَقصَروا أنفسهم على ما وجدوا عليه آباؤهم.
لذلك قال في عَجُز الأولى: ﴿لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً... ﴾ [البقرة: ١٧٠] وفي عَجُز الثانية ﴿لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً... ﴾ [المائدة: ١٠٤] لأن العاقل هو الذي يهتدي إلى الأمر بذاته.
أمّا الذي يعلم فيعلم ما عَقِله هو، وما عَقِله غيره، إذن: فدائرة العلم أوسع من دائرة العقل؛ لأن العقل يهتدي للشيء بذاته، أمَّا العلم فيأخذ اهتداء الآخرين.
فكان ردُّهم: ﴿قالوا أَجِئْتَنَا... ﴾.
يعني: أهذا الكلام يا إبراهيم جدٌّ؟ أم أنك تَهْزِر معنا؟ كأنهم يستبعدون أن يكون كلام إبراهيم جِدّاً؛ لأنه بعيد عن مداركهم. ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات... ﴾.
يردّ إبراهيم: لقد جئتكم بالحق الذي يقول: إن هذه الأصنام لا تُعبد، بل الذي يستحق العبادة هو الله ربُّ السماوات والأرض: ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ... ﴾ [الأنبياء: ٥٦] ف (بل) تُضرب عما قبلها، وتُثبِت الحكم لما بعدها


الصفحة التالية
Icon