لأن الله قال: ﴿وَقُودُهَا الناس والحجارة... ﴾ [البقرة: ٢٤].
قَدْ تَجَنَّوْا جَهْلاً كما قَدْ... تَجنَّوْهُ علَى ابْنِ مرْيَم والحَوارِي
لِلْمُغَالِي جَزَاؤُهُ والمغالَي فِيهِ... تٌنجيهِ رَحْمةُ الغَفَّار
إذن: فتحطيم الأصنام ليس كَيْداً للأصنام، بل لعُبَّادها الذين يعتقدون فيها أنها تضرُّ وتنفع، وكأن إبراهيم - عليه السلام - يقيم لهؤلاء الدليل على بطلان عبادة الأصنام، الدليل العملي الذي لا يُدْفَع وكأن إبراهيم يقول بلسان الحال: حين أُكسِّر الأصنام إنْ كنتُ على باطل فليمنعُوني وليردّوا الفأْسَ من يدي، وإنْ كنتُ على حق تركوني وما أفعل.
وقوله تعالى: ﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٧] أي: بعد أنْ تنصرفوا عنها. يعني: على حين غَفْلة منهم.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً... ﴾.
ونلحظ هنا أن السياق القرآني يحذف ما يُفهم من الكلام، كما في قصة سليمان - عليه السلام - والهدهد: ﴿اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] وحَذْف ما كان من الهدهد ورحلته إلى بلقيس، وإلقائه الكتابَ إليها، وأنها أخذتْه وعرضتْه على مستشاريها: ﴿قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩].
ومعنى ﴿جُذَاذاً... ﴾ [الأنبياء: ٥٨] أي: قطعاً متناثرة وحطاماً،