ثم يحدثنا الحق سبحانه عن رسول آخر من أولى العزم من الرسل: ﴿وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ... ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَنُوحاً... ﴾ [الأنبياء: ٧٦] مثلما ثلنا في ﴿وَلُوطاً... ﴾ [الأنبياء: ٧٤] أي: آتيناه هو أيضاً رُشْده ﴿إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ... ﴾ [الأنبياء: ٧٦] والنداء في حقيقته: طلبُ إقبال، فإنْ كان من أعلى لأدنى فهو نداء، وإنْ كان من مُسَأوٍ لك فهو التماس، فإنْ كان من أدنى لأعلى فهو دعاء، فحين تقول يا رب: الياء هنا ليست للنداء بل للدعاء.
وحين تمتحن تلميذاً تقول له: أعرب: رَبِّ اغفر لي، فلو كان نبيهاً يقول: ربّ مدعو. والتقدير يا رب، ومن قال: منادى نسامحه لأنه صحيح أيضاً، فالياء في أصلها للنداء، لكنه غير دقيق في الأداء. كذلك في: اغفر لي، إنْ قال فِعْل أمر نعطيه نصف الدرجة، أما إن قال دعاء فَلَهُ الدرجة الكاملة.
فماذا قال نوح عليه السلام في ندائه؟ المراد قوله: ﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾ [نوح: ٢٦] فاستجاب الله لنبيه نوح عليه السلام: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم﴾ [الأنبياء: ٧٦] والمراد بالكرب ما لبثه نوح في دعوة قومه من عمر امتد ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما تحمَّله في سبيل دعوته من عَنَتٍ ومشقّة قال الله فيها:


الصفحة التالية
Icon