كذلك ربك - عَزَّ وَجَلَّ - يريد منك أن تؤدي ما عليك ولا تدعه لشيء قد جعل لك فيه أسباباً؛ لأن الأسباب يد الله الممدودة لخَلْقه، فلا ترد يد الله بالأسباب لتطلب الذات بلا أسباب.
لذلك جاء قول الرسل الذين كُذبوا: ﴿قَالَ رَبِّ انصرني..﴾ [المؤمنون: ٣٩] ليس وأنا قاعد متخاذل متهاون، ولكن ﴿بِمَا كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: ٣٩] يعني: فعلت كل مَا في وُسْعي، ولم يَعُدْ لي بهم طاقة.
فتأتي الإجابة على وجه السرعة: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾.
﴿عَمَّا قَلِيلٍ..﴾ [المؤمنون: ٤٠] يعني: بعد قليل، ف (عن) هنا بمعنى بعد، كما جاء في قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩] يعني: بعد طبق.
أما ﴿مَّا..﴾ [المؤمنون: ٤٠] هنا فقد دلَّتْ على الظرف الزمني؛ لأن المراد بعد قليل من الزمن.
﴿لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٠] حين يقع بهم ما كانوا به يُكذِّبون، ويحلّ عليهم العذاب يندمون، لأنهم لن يستطيعوا تدارك ما فاتهم، فليس أمامهم إذن إلا الندم، وهذه المسألة دلَّتْ على أن الفطرة الإنسانية حين لا تختلط عليها الأهواء تنتهي في ذاتها إلى الحق، وإنْ أخرجها الغضب إلى الباطل، فإنها تعود إلى توازنها وإلى الجادة حين تهدأ ثورة الغضب.
والحق - تبارك وتعالى - يعطينا أدلةً وإشارات حول هذه القضية في قصة ولدي آدم عليه السلام فيقول: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنيءَادَمَ بالحق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ


الصفحة التالية
Icon