والحق - تبارك وتعالى - يفيض من أنواره وصفات كماله على خَلْقه الذين جعلهم خلفاء له سبحانه في الأرض، فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً..﴾ [البقرة: ٣٠] والخليفة في الأرض ليس جيلاً واحداً خلقه الله واستخلفه في الأرض إلى قيام الساعة، إنما الخليفة أجيال وأنسال تتوالى، يموت واحد ويُولَد آخر في حلقات موصولة الأنسال لا الذوات.
والخليفة لا ينجح في خلافته إلا إذا سار فيها على وَفْق مراد مَن استخلفه، وآفة الناس في خلافتهم لله في الأرض أنْ يعتبروا أنفسهم أُصَلاء لا خلفاء، فالخليفة في ذِهْنه دائماً هذه الخلافة؛ لذلك يلتفت إلى الأصل، وينظر ماذا يريد منه مَن استخلفه.
والحق - تبارك وتعالى - جعل له خليفة في الأرض لتظهر عليه سمات قدرته تعالى وصفات كماله، فالله تعالى قادر، الله عالم، الله حكيم، الله غنيّ، الله رحيم، الله غفور.. الخ وهو سبحانه يعطي من صفاته ويفيض منها على خَلْقه وخليفته في أرضه بعضاً من هذه الصفات، فيعطيك من قدرته قدرة، ومن رحمته رحمةً، ومن غنائه غِنىً، لكن تظل الصفة في يده تعالى أنْ شاء سلبها، أَلاَ ترى القوي قد يصير ضعيفاً، والغني قد يصير فقيراً؟
ذلك لنعلم أن هذه الصفات ليست ذاتية فينا، وأن هذه الهبات ليست أصلاً عندنا، إنما هي فيْض من فيض الله وهبةٌ من هباته سبحانه، لذلك علينا أن نستعملها وَفْق مراده تعالى، فإنْ أعطاك ربُّك القدرة فإنما أفاض بها عليك لتفيض أنت بها على غيرك، أعطاك العلم لتنثره على الناس، أعطاك الغنى لترعى حق الفقير.
إذن: ما دام أن الله تعالى أفاض عليك من صفات الكمال واحتفظ