لو تأملنا حقيقة المثْلية في رَدِّ الإساءة لوجدناها صعبة في تقديرها، فإنْ ضربَك شخصٌ ضربة، أعندك القدرة التي تردُّ بها هذه الضربة بمثلها تماماً بنفس الطريقة، وبنفس القوة، ونبفس الألم، بحيث لا تكون أنت مُعْتدياً؟ إنك لو تأملتَ هذه المثلية لفضَّلْتَ العفو بدل الدخول في متاهات أخرى.
وسبق أن ذكرنا قصة المرابي الذي اشترط على المدين إنْ تأخر في السداد أن يقطع رطلاً من لحمه، ولما تأخر الرجل في السداد خاصمه عند القاضي، وأخبره بما كان بينهما من شرط، وكان القاضي ذكياً فقال للمرابي: خُذ السكين واقطع رطلاً من لحمه، لكن إنْ زاد أخذناه منك، وإنْ نقص أخذناه منك، فتراجع المرابي لأنه لا يستطيع تقدير هذه المسألة.
فإن انصرفنا عن المعاقبة بالمثل وَسِعَنا العفو، وانتهت المسألة على خير ما يكون.
وفي مرتبة أخرى يقول سبحانه: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عَنِ الناس والله يُحِبُّ المحسنين﴾ [آل عمران: ١٣٤].
فالحق - تبارك وتعالى - يجعل لنا مراتب في رَدِّ السيئة، فالعقاب بالمثل مرتبة، وكَظْم الغيظ مرتبه، والعفو مرتبة، والصفح مرتبة، وأعلى ذلك كله مرتبة الإحسان إلى مَنْ أساء إليك ﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ [آل عمران: ١٣٤].
ثم يجعل الحق سبحانه من نفسه أُسْوة لعباده فيقول: ﴿أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ..﴾ [النور: ٢٢] فكما تحب أن يغفر الله لك ذنبك، فلماذا لا تغفر أنت لمَنْ أساء إليك؟ وكأن ربنا - عَزَّ وَجَلَّ - يريد أن يُصلح ما بيننا؛ لذلك لما نزلتْ هذه الآية في شأن أبي بكر