أو يكون الجدل في الوحدانية، كمن يشرك بالله إلهاً آخر، أو يكون الجدل في إعلام الله بشيء غيبي، كأمر الساعة الذي ينكره البعض ولا يُصدِّقون به، هذا كله جدل في الله.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ..﴾ [الحج: ٣] إذن: فالجدل في ذاته مُبَاح مشروع، شريطة أن يصدر عن علم وفقه، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ..﴾ [النحل: ١٢٥].
فالحق سبحانه لا يمنع الجدل، لكن يريده بالطريقة الحسنة والأسلوب اللين، وكما يقولون: النصح ثقيل، فلا تجعله جَدَلاً، ولا ترسله جبلاً، ولا تُخرِج الإنسان مما يألف بما يكره، واقرأ قوله تعالى: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة..﴾ [النحل: ١٢٥].
وقال سبحانه: ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ..﴾ [العنكبوت: ٤٦].
لذلك؛ فالقرآن الكريم يعلم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَوْناً من الجدل في قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: ٢٥].
فانظر إلى هذا الجدَل الراقي والأسلوب العالي: ففي خطابهم يقول: ﴿قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا..﴾ [سبأ: ٢٥] وينسب الإجرام إلى نفسه، وحين يتكلم عن نفسه يقول: ﴿وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: ٢٥] ولم يقُلْ هنا: تجرمون لتكون مقابلة بين الحالين. وفي هذا الأسلوب ما فيه من جذب القلوب وتحنينها لتقبُّل الحق.
ولما اتهموا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالجنون ردَّ عليهم القرآن بالعقل وبالمنطق، فسألهم: ما الجنون؟ الجنون أنْ تصدر الأفعال الحركية عن غير بدائل اختيارية من المخ، فهل جرَّبْتُم على محمد شيئاً من