هذه أمور لم نعلمها إلا في دراستنا الثانوية، فعرفنا معنى الحيِّز وعدم تداخل الأشياء، هذه المسألة يعرفها الطفل بديهة.
ولو تأملتَ النظريات الهندسية لوجدتَ أن كل نظرية تُبنَى على نظرية سابقة، فلو أردت أنْ تبرهن على النظرية المائة تستخدم النظرية تسعين مثلاً، وهكذا إلى أنْ تصلَ إلى نظرية بدهية لا برهانَ عليها.
وهكذا تستطيع أن تقول: إن كل شيء علمي في الكون مبنيٌّ على البدهيات التي لا تحتاج إلى برهان، ولا تستطيع أن تضع لها تعريفاً، فالسماء مثلاً، يقولون هي كل ما علاك فأظَّلك، فالسقف سماء، والغيم سماء، والسحاب سماء، والسماء سماء، مع أن السماء لا تحتاج إلى مثل هذا التعريف؛ لأنك حين تسمع هذه الكلمة (السماء) تعرف معناها بديهة دون تعريف.
وهذه الأمور البدهية لا جدلَ فيها؛ لأنها واضحة، فلو قلتَ لهذا الطفل: اجلس على أخيك، فهذا ليس جدلاً؛ لأنه لا يصح.
أما العلم الاستدلالي فأنْ تستدل بشيء على شيء، كأنْ تدخل بيتك فتجد (عقب سيجارة) مثلاً في (طفاية السجائر) فتسأل: مَنْ جاءكم اليوم؟ ومثل الرجل العربي حين سار في الصحراء، فوجد على الأرض آثاراً لخفِّ البعير وبَعْره، فقال: البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير.
أما عِلْم الوحي فيأتي من أعلى، يلقيه الله سبحانه على مَنْ يشاء من عباده.
فعلى المجادل أن يستخدم واحداً من هذه الثلاثة ليجادل به، فإن جادل بغير علم فهي سفسطة لا طائل من ورائها.


الصفحة التالية
Icon