والمتتبع لآيات القرآن يجد الحق - سبحانه وتعالى - يقول مرة في خَلْق الإنسان: ﴿مِّن تُرَابٍ..﴾ [الحج: ٥]، ومرة ﴿مِن مَّآءٍ..﴾ [الطارق: ٦]، و ﴿مِّن طِينٍ..﴾ [الأنعام: ٢]، و ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ..﴾ [الحجر: ٢٦]، و ﴿مِن صَلْصَالٍ كالفخار..﴾ [الرحمن: ١٤] وهذه التي دعتْ المستشرقين إلى الاعتراض على أسلوب القرآن، يقولون: من أيِّ هذه الأشياء خُلِقْتم؟
وهذا الاعتراض ناشيء من عدم فَهْم لغة القرآن، فالتراب والماء والطين والحمأ والمسنون والصلصال، كلها مراحل متعددة للشيء الواحد، فإذا وضعتَ الماء على التراب صار طيناً، فإنْ تركتَ الطين حتى يتخمّر، ويتداخل بعضه في بعض حتى لا تستطيع أنْ تُميِّز عنصراً فيه عن الآخر. وهذا عندما يعطَنُ وتتغير رائحته يكون هو الحمأ المسنون، فإنْ جَفَّ فهو صلصال كالفخار، ومنه خلق اللهُ الإنسان وصوَّره، ونفخ فيه من روحه، إذن: هذه مراحل للشيء الواحد، ومرور الشيء بمراحل مختلفة لا يُغيِّره.
ثم تكلم سبحانه عن الخَلْق الثاني بعد آدم عليه السلام، وهم ذريته، فقال: ﴿مِن نُّطْفَةٍ..﴾ [الحج: ٥] والنطفة في الأصل هي قطرة الماء العَذْب، كما جاء في قول الشاعر:
بَقَايَا نِطَافٍ أودَعَ الغيمُ صَفْوَهَا | مُثقَّلَةُ الأرجَاء زُرْقُ الجَوانبِ |