فإنْ قلتَ: وما الحكمة من خَلْقه وتصويره، إنْ كان قد قُدِّر له أنْ يموت جنيناً؟ نقول: لنعرف أن الموت أمر مُطْلق لا رابطَ له ولا سِنّ، فالموت يكون للشيخ كما يكون للجنين في بطن أمه، ففي أيِّ وقت ينتهي الأجل.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً..﴾ [الحج: ٥] قال: ﴿نُخْرِجُكُمْ..﴾ [الحج: ٥] بصيغة الجمع ولم يقُلْ: أطفالاً إنما ﴿طِفْلاً..﴾ [الحج: ٥] بصيغة المفرد، لماذا؟ قالوا: في اللغة ألفاظ يستوي فيها المفرد والجمع، فطفل هنا بمعنى أطفال، وقد وردتْ أطفال في موضع آخر في قوله سبحانه:
﴿وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم..﴾ [النور: ٥٩].
وكما تقول هذا رجل عَدْل، ورجال عَدْل. وفي قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - يتكلم عن الأصنام فيقول: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي..﴾ [الشعراء: ٧٧] ولم يقُلْ: أعداء. وحينما تكلم عن ضَيْفه قال: ﴿هَؤُلآءِ ضَيْفِي..﴾ [الحجر: ٦٨] ولم يقل: ضيوفي، إذن: المفرد هنا يُؤدِّي معنى الجمع.
ثم يقول سبحانه: ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ..﴾ [الحج: ٥] وهكذا، وسبق أنْ تحدَّثنا عن مراحل عمر الإنسان، وأنه يمر بمرحلة الرُّشْد: رُشْد البنية حين يصبح قادراً على إنجاب مثله، ورُشْد العقل حين يصبح قادراً على التصرّف السليم، ويُحسن الاختيار بين البدائل.
ثم تأتي مرحلة الأشد: ﴿حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ..﴾ [الأحقاف: ١٥] يعني: نضج نُضْجاً من حوادث الحياة أيضاً.