فكُلُّ ما تقدم ناشيء من أنه سبحانه هو الحق؛ ولأنه سبحانه الحق؛ فهو يُحيي الموتي، وهو على كل شيء قدير، والساعة آتية لا رَيْبَ فيها، وهو سبحانه يبعث مَنْ في القبور.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله..﴾
تكلمنا في أول السورة عن الجدل بالعلم والموعظة الحسنة وقلنا: العلم إما علم بَدْهي أو علم استدلالي عقليّ، أو علم بالوحي من الله سبحانه، أما هؤلاء الذين يجادلون في الله بغير علم بدهي ﴿وَلاَ هُدًى..﴾ [الحج: ٨] يعني: علم استدلالي عقلي، ﴿وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ [الحج: ٨] يعني: وحي من الله، فهؤلاء أهل سفسطة وجدل عقيم لا فائدة منه، وعلى العاقل حين يصادف مثل هذا النوع من الجدال أن لا يجاريه في سفسطته؛ لأنه لن يصل معه إلى مفيد، إنما عليه أنْ ينقله إلى مجال لا يحتمل السفسطة.
ولنا في هذه المسألة مثَلٌ وقُدْوة بسيدنا إبراهيم - عليه السلام - حينما جادل النمرود، اقرأ قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ..﴾ [البقرة: ٢٥٨]
لقد اتبع النمرودُ أسلوب السَّفْسَطة حين قال {أَنَا أُحْيِي