لذلك نقول في تسبيح الله: سبحانك، ولا تُقال إلا لك. مهما اجترأ الملاحدة فإنهم لا ينطقونها لغير الله.
إذن: ﴿تَبَارَكَ﴾ [الفرقان: ١] تدور حول معَانٍ ثلاثة: تعالى قَدْره، وتنزَّه عن مشابهة ما سواه، وعَظُم خَيْره وعطاؤه، ومَنْ تعاظُم خَيْره سبحانه أنه لا مثيل له: في قَدْره، ولا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في فعله. وهذا كله من مصلحتنا نحن، فلا كبيرَ إلا الله، ولا جبارَ إلا الله، ولا غنيَّ إلا الله.
وسُمِّي القرآن فرقاناً؛ لأنه يُفرِّق بين الحق والباطل، وقد نزل القرآن ليُخرج الناسَ من الظلمات إلى النور، فيسير الناس على هُدىً وعلى بصيرة، فالقرآن إذن فَرَق لهم مواضع الخير عن مواضع العطب، فالفرقان سائر في كل جهات الدين، ففي الدين قمة هي الحق تبارك وتعالى ومُبلِّغ عن القمة هو الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ومُرْسَل إليه هم المؤمنون، فجاء القرآن ليفرُقَ بين الحق والباطل في هذه الثلاثة.
ففي القمة، وُجدِ مَنْ ينكر وجود إله خالق لهذا الكون، وآخرون يقولون بوجود آلهة متعددة، وكلاهما على طرفي نقيض للآخر، ليس هناك سيال فكر يجمعهم، فجاء القرآن ليفرق بين الحق والباطل في هذه المسألة، ويقول: الأمر وسط بين ما قُلْتم: فالإله موجود، لكنه إله واحد لا شريكَ له، ففرقَ في مسألة القمة.
كذلك فَرق في مسألة الرسول وهو بشر من قومه، فلما اعترض بعضهم عليه وحسدوه على هذه المكانة وهو واحد منهم أيَّده الله بالمعجزة التي تُؤيده وتُظهِر صِدْقه في البلاغ عن الله، وكانت معجزته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في شيء نبغ فيه القوم، وهي الفصاحة والبلاغة والبيان، والعرب أهل بيان، وهذه بضاعتهم الرائجة وتحدَّاهم بهذه المعجزة فلم يستطيعوا.