يؤيده الواقع؛ لأن الله تعالى أول ما شَهِد شهد لنفسه، فقال سبحانه: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم﴾ [آل عمران: ١٨].
أي: لما خلقتُ الملائكة شهدوا لله تعالى، ثم شهد أولو العلم بالاستدلال، فشهادة الحق سبحانه لنفسه شهادة الذات للذات، والملائكة شهدتْ شهادةَ المشاهدة، ونحن شهدنا شهادةَ الاستدلال والبرهان.
والحق تبارك وتعالى يُعطينا الدليل على صِدْق هذه الشهادة، فيقول تعالى: ﴿مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: ٩١].
وقال سبحانه: ﴿قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٤٢].
وهذا هو التفصيل المنطقي العاقل الذي نردُّ به على هؤلاء، فلو كان مع الله تعالى آلهة أخرى لَذهبَ كل منهم بجزء من الكون، وجعله إقطاعية خاصة به، وعَلاَ كل منهم على الآخر وحاربه، ولو كان معه سبحانه آلهة أخرى لاجتمعوا على هذا الذي أخذ الملْك منهم ليحاكموه أو ليتوسَّلوا إليه.
وقلنا: إن الدَّعْوى تثبُتُ لصاحبها إذا لم يَدّعِهَا أحد غيره لنفسه، وهذه المسألة لم يدَّعها أحد، فهي إذن ثابتة لله تعالى إلى أنْ يُوجَد مَنْ يدَّعي هذا الخَلْق لنفسه.
وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بجماعة في مجلس فَقَد أحدهم محفظته فيه، ولما انصرفوا وجدها صاحب البيت، فسألهم عنها، فلم يدَّعِها أحد منهم، ثم اتصل به أحدهم يقول: إنها لي، فلا شكّ أنها له حتى يوجد مُدَّعٍ آخر، فنفصل بينهما.