أرباع الكرة الأرضية مياه، وقد جعل الله لك وسائل مواصلات في الربع، أَلاَ يجعل لك مواصلات في الثلاثة أرباع، فتأخذ خيرات البحر، كما أخذت خيرات البَرِّ؟
وتأمل أسلوب القرآن: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل﴾ [الفرقان: ٣٧] ومعلوم أنهم كذَّبوا رسولهم نوحاً لا جميع الرسل، قالوا: لأن النبوة لا تأتي بمتعارضات، إنما تأتي بأمور مُتفق عليها؛ لذلك جعل تكذيبَ رسول واحد كتكذيب جميع الرسل.
ثم ذكر عاقبة ذلك: ﴿أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾ [الفرقان: ٣٧] وكلمة ﴿أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ [الفرقان: ٣٧] تعني: أن الذي أغرق المكذبين نَجَّى المؤمنين، وإغراق المكذبين أو عملية تردُّ على سخريتهم من نوح، حينما مرُّوا عليه وهو يصنع السفينة: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨].
ولم يكن الغرق نهاية الجزاء، إنما هو بدايته، فهناك العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الفرقان: ٣٧] وهكذا جمع الله عليهم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة.
ثم يضرب الحق تبارك وتعالى لرسوله مثلاً آخر: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرس﴾
إنها نماذج من المتاعب التي لاقاها الرسل من أممهم، كما قال في موضع آخر: ﴿وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾ [الأعراف: ٦٥]. ﴿وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾ [الاعراف: ٧٣].