وسَمَّى ما يفعله السحرة إفكاً؛ لأنهم يُغيِّرون الحقيقة، ويُخيِّلون للناس غيرها.
لم يقُل الحق سبحانه: فسجد السحرة، إنما ﴿فَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٤٦] والإلقاء يدل على سرعة الاستجابة، وأن السجود تَمَّ منهم دون تفكير؛ لأنه أمر فوق إرادتهم، وكأن جلال الموقف وهيبته وروعة ما رَأوْا ألقاهم على الأرض ساجدين لله، صاحب هذه الآية الباهرة؛ لذلك لم يقولوا عندها آمنَّا بربِّ موسى وهارون، إنما قالوا: ﴿قَالُواْءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾
وحين نتأمل ردَّ فِعْل السحرة هنا نجد أنهم خرُّوا لله ساجدين أولاً، ثم أعلنوا إيمانهم ثانياً، ومعلوم أن الإيمان يسبق العمل، وأن السجود لا يتأتي إلا بعد إيمان، فكيف ذلك؟
قالوا: هناك فَرْق بين وقوع الإيمان، وبين أنْ تخبر أنت عن الإيمان، فالمتأخر منهم ليس الإيمان بل الإخبار به؛ لأنهم ما سجدوا إلا عن إيمان واثق ينجلي معه كل شكٍّ، إيمان خطف ألبابهم وألقاهم على الأرض ساجدين لله، حتى لم يمهلهم إلى أنْ يعلنوا عنه، لقد أعادهم إلى الفطرة الإيمانية في النفس البشرية، والمسائل الفطرية لا علاجَ للفكر فيها.