وقد تسأل في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠] ولماذا نذهب إلى الطبيب إذن؟ نقول: الطبيب يعالج، وهو سبب للشفاء، أمّا الشفاء فمن الله، بدليل أن الطبيب ربما يمرض، ويعجز هو عن شفاء نفسه، وقد يعطي المريض حقنة ويكون فيها حَتْفه.
وحين نُعرب: ﴿مَرِضْتُ﴾ [الشعراء: ٨٠] نقول: مرض فعل ماضٍ والتاء فاعل، فهل أنا الذي فعلتُ المرض؟ وهذا مِثْل أن نقول: مات فلان، ففلان عامل مع أنه لم يحدث الموت؛ لذلك يجب أن نتنبه إلى أن الفاعل يعني مَنْ فعل الفعل، أو اتصف به، والفاعل هنا لم يفعل الفعل وإنما اتصف به. وقال ﴿مَرِضْتُ﴾ [الشعراء: ٨٠] تأدباً مع الله تعالى، فلم يقل: أمرضني ونسب المرض الظاهر إلى نفسه.
أما في المسائل التي لا يدَّعيها أحد، فتأتي بالفعل دون توكيد، كما في الآية بعدها: ﴿والذي يُمِيتُنِي﴾
فلم يقُل؟ هنا: بميتني أو هو يُحييني؛ لأن الحياة والموت بيده تعالى لا يدَّعيها أحد، فإنْ قُلْتَ: وماذا عن قتْل الإنسان لغيره أَلاَ يُعَدُّ موتاً؟ وقد سبق أنْ أوضحنا الفرق بين الموت والقتل، بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤].
فالموت أن تخرج الروح، والجسم سليم الأجزاء كامل الإعضاء، وبعد خروج الروح تُنقض البنية، أما القتل فيكون بنقْض البنية نَقْضاً يترتب عليه خروج الروح.