وقال في دعائه: ﴿هَبْ لِي﴾ [الشعراء: ٨٣] لأن الهبة عطاء دون مقابل، فكأنه قال: يا رب أنا لا أستحق، فاجعلها لي هِبةَ من عندك ﴿وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ [الشعراء: ٨٣] أي: ألحقني بهم في العمل والأُسْوة لأنالَ بعدها الجزاء، وليس المراد: ألحقني بهم في الجزاء، إنما في العمل.
وقد أجابه الله تعالى في هذه الدعوة، فقال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض﴾ [الأنعام: ٧٥].
والملكوت: المخلوقات غير المحسّة، أطلعه الله عليها؛ لأنه عمل بما علم من الملك المحسّ، وكذلك قال: ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾ [البقرة: ١٣٠] فأجابه في الدعوة الأخرى. ﴿واجعل لِّي لِسَانَ﴾
نعرف أن اللسان وسيلة التعبير، ومعنى ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ [الشعراء: ٨٤] يعني: ذكراً حسناً يذكر بحق، ويذكر بصدق، لا كما نفعل الآن حين نقيم ذكرى لأحد الأشخاص، فنظل نكيل له المدائح ونُثني عليه بالصِّدْق وبالكذب، وبما فعل وبما لم يفعل، فهذا ذكر، لكنه ذكر غير صادق ومخالف للحقيقة وللواقع.
وسبق أن أوضحنا أن الصدق هو الكلام المطابق للواقع، وقد ورد هذا المعنى في الأمهات الخمس في القرآن الكريم، في قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: ٨٠].
يعني: أدخلني بصدق لا بغشٍّ يعني مدخلاً أستطيع منه الخروج، وكذلك أخرجني مُخرج صدق.