قالوا: فالجنة ميراث؛ لأن الأصل أنك لا تُجازَى على الخير الذي قدمته؛ لأن تكليف من الله تعالى يعود خيره عليك في الدنيا، حيث تستقيم به حياتك وتسعد بها، وما دام التكليف في صالحك، فكيف تأخذ أجراً عليه؟ كالوالد حيث يحثّ ولده على المذاكرة والجد في دروسه، فهذا يعود نفعه على الولد، لا على الوالد.
وكأن ربك عَزَّ وَجَلَّ يقول لك: ما دُمْتَ قد احترمتَ تكليفي لك، وأطعتني فيما ينفعك أنت، ولا يعود عليَّ منه شيء، فحين أعطيك الجنة أعطيك بفضلي وهِبَة مني، أو أننا نأخذ الجنة بالعمل، والمنازل بالفضل.
إذن: لا غِنَى لأحد مِنّا عن فَضْل الله.
لذلك يقول سبحانه: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨]
هذا هو المعنى المراد بميراث الجنة، وينبغي ألاَّ تعوِّل على عملك وطاعتك واجتهادك في العبادة، واعلم أن النجاة لا تكون إلا برحمة الله وفضل منه سبحانه.
ثم ترك الدعاء لذاته وانتقل لمن رباه فقال: ﴿واغفر لأبي﴾
لم ينْسَ إبراهيم عليه السلام في دعائه أن يدعو لمن رباه؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو الخالق، إنما جعل الوالدين هما السبب المباشر في الخَلْق والإيجاد؛ لذلك جعلهما أصحاب الفضل والأحق بالطاعة بعده تعالى، لكن قد ينجب الوالدان ويهملان ولدهما فيربيه غيرهما؛ لذلك يأخذ المنزلة الثالثة، فعندنا ربوبية خَلقَت من عدم، وأبوة جاءت بأسباب الإيجاد، وأبوة أخرى ربّت واعتنتْ.


الصفحة التالية
Icon