﴿فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله﴾
خاطب الحق تبارك وتعالى نبيه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله: ﴿فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ [الشعراء: ٢١٣] فهل كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مظنة أن يدعو مع الله إلهاً آخر؟ قالوا: لا، إنما المراد ابتداء توجيه، وابتداء تكليف، كأنه يقول له: اجعل عندك مبدءًا، أنك لا تتخذ مع الله إلهاً آخر، لا أن الرسول اتخذ إلهاً، فجاء الوحي لينهاه، إنما هو بداية تشريع وتكليف، وإذا كان العظيم المرسَل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتوعده الله إنْ أراد أن يتخذ إلهاً آخر، فما بالك بمَنْ هو دونه؟
فساعَة يسمع الناس هذا الخطاب مُوجّهاً إلى النبي المرسَل إليهم، فلا بُدَّ أنْ يصغوا إليه، ويحذروا ما فيه من تحذير، كما لو وجَّه رئيس الدولة أمراً إلى رئيس الوزراء مثلاً ولله المثل الأعلى وحذَّره من عاقبة مخالفته، فلا شكَّ أن مَنْ دونه من الموظفين سيكون أطوع منه لهذا الأمر.
وهكذا نقل الأمر من رسول الله إلى أهله وعشيرته الأقربين، ذلك ليطمئن الآخرون من قومه، فهو يأمرهم بأمر ليس بنجْوة عنه، فأول ما ألزم به ألزم نفسه ثم عشيرته، وهذا أدْعى للطاعة وللقبول، فأنت تردُّ أمري إذا كنتُ آمرك به ولا أفعله، لكني آمرك وأسبقك إلى الفعل.
لذلك سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وكان على المنبر يخطب في الناس، ويقول: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، فقام أعرابي وقال: لا سمعَ لك ولا طاعة، انظر إلى هذه الجرأة على مَنْ؟ على عمر وهو على المنبر فقال له عمر: ولِمَ؟