وتأمل ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ [الشعراء: ٢١٤] والإنذار كما ذكرنا التحذير من الشرِّ قبل أوانه، فلم يقُلْ: بشِّر عشيرتك، كأنه يقول له: إياك أنْ يأخذك به لين ورَأْفة، أو عطف لقرابتهم لك، بل بهم فابدأ.
وقد امتثل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لهذا التوجيه، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول لقرابته: «يا عباس يا عم رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، ولا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم».
وفي الوقت الذي يدعوه إلى إنذار عشيرته الأقربين يقول في مقابلها: ﴿واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك﴾
بعد أن أمره بالشدة على أهله وقرابته يأمره باللين، وخَفْض الجناح لباقي المؤمنين به، وخَفْض الجناح كناية عن اللُّطْف واللين في المعاملة، وقَد أُخِذ هذا المعنى من الطائر حين يحنو على فراخه، ويضمهم بجناحه.
وخَفْض الجناح دليل الحنان، لا الذلّة والانكسار، وفي المقابل نقول (فلان فارد أجنحته) إذا تكبَّر وتجبَّر، وتقول (فلان مجنح لي) إذا عصا أوامرك.
وفي موضع أخر: ﴿واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٨].


الصفحة التالية
Icon