في سورة الشعراء، وهنا يعود السياق إليه مرة أخرى، لماذا؟ لأن دعوة موسى عليه السلام أخذت حيِّزاً كبيراً من القرآن الكريم، ذلك لأنهم أتبعوا أنبياءهم وعاندوهم حتى كَثُّر الكلام عنهم.
وعجيب أنهم يفخرون بكثرة أنبيائهم، وهم لا يعلمون أنها تُحسب عليهم لا لهم، فالنبي لا يأتي إلا عند شقْوة أصحابه، وبنوا إسرائيل كانوا من الضلال والعناد بحيث لاَ يكفيهم رسول واحد، بل يلزمهم (كونسلتو) من الأنبياء، فهم يعتبرونها مفخرة، وهي مَنْقصة ومذمّة.
أما تكرار قصة بني إسرائيل وموسى عليه السلام كثيراً في القرآن، فلأن القرآن لا يروي (حدوتة) و، لا يذكر أحداثاً للتأريخ لها، إنما يأتي من القصة بما يناسب موطن العبرة والتثبيت لفؤاد رسول الله: ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: ١٢٠].
لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تعرَّض في رحلة الدعوة لكثير من المصاعب والمشاقّ، ويحتاج لتسلية وتثبيت، فيأتي له ربُّه بلقطة معينة، ولكن لا يُورد القصة كاملة، وهذا ليس عَجْزاً وحاشا لله عن إيراد القصة كاملة مرة واحدة.
وقد أورد سبحانه قصة يوسف عليه السلام كاملة من الألف إلى الياء في صورة قصة محبوكة على أتمِّ ما يكون الفن القصصي، ومع ذلك لم يأتِ لسيدنا يوسف عليه السلام ذِكْر في غير هذه القصة إلا في موضعين: