أي: جاء النار ف ﴿نُودِيَ﴾ [النمل: ٨] النداء: طلب إقبال، كما تقول: يا فلان، فيأتيك فتقول له ما تريد. فالنداء مثلاً في قوله تعالى: ﴿ياموسى﴾ [طه: ١١] نداء ﴿إنني أَنَا الله﴾ [طه: ١٤] خطاب وإخبار.
لكن ما معنى ﴿نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل: ٨] ولم يقُلْ: يا موسى فليس هنا نداء، قالوا: مجرد الخطاب هنا يُراد به النداء؛ لأنه ما دام يخاطبه فكأنه يناديه، ومثال ذلك قوله سبحانه: ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً﴾ [الأعراف: ٤٤].
فذكر الخطاب مباشرة دون نداء؛ لأن النداء هنا مُقدَّر معلوم من سياق الكلام، ومنه أيضاً: ﴿ونادى أَصْحَابُ الأعراف رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨].
ومنه أيضاً: ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي﴾ [مريم: ٢٤] فجعل الخطاب نفسه هو النداء.
وقوله: ﴿أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل: ٨] كلمة بُورِك لا تناسب النار؛ لأن النار تحرق، وما دام قال ﴿بُورِكَ مَن فِي النار﴾ [النمل: ٨] فلا بُدَّ أن مَنْ في النار خَلْق لا يُحرق، ولا تؤثر فيه النار، فمَنْ هم الذين لا تؤثر فيهم النار، هم الملائكة.
وقد رأى موسى عليه السلام مشهداً عجيباً، رأى النار تشتعل في فرع من الشجرة، فالنار تزداد، والفرع يزداد خُضْرة،


الصفحة التالية
Icon