عليه السلام أراد أنْ يطيل أمد الأُنْس بالله والبقاء في حضرته تعالى، ولما أحسَّ موسى أنه أطال في هذا المقام أجمل، فقال: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى﴾ [طه: ١٨] فللعصا مهام أخرى كثيرة في حياته.
وهنا يقول سبحانه: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠] يعني: إنْ كانت العصا بالنسبة لك بهذه البساطة، وهذه مهمتها عندك فلها عندي مهمة أخرى، فانظر إلى مهمتها عندي، وإلى ما لا تعرفه عنها.
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠] فلمّا ألقى موسى عصاه وجدها ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ [النمل: ١٠] يعني: حية تسعى وتتحرك، والعجيب أنها لم تتحول إلى شيء من جنسها، فالعصا عود من خشب، كان فرعاً في شجرة، فجنسه النبات ولما قُطعت وجفَّتْ صارت جماداً، فلو عادت إلى النباتية يعني: إلى الجنس القريب منها واخضرتْ لكانت عجيبة.
أمّا الحق تبارك وتعالى فقد نقلها إلى جنس آخر إلى الحيوانية، وهذه قفزة كبيرة تدعو إلى الدهشة بل والخوف، خاصة وهي ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ [النمل: ١٠] أي: تتحرك حركة سريعة هنا وهناك.
وطبيعي في نفسية موسى حين يرى العصا التي في يده على هذه الصورة أنْ يخاف ويضطرب ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى﴾ [طه: ٦٧٦٨].
ومعنى: ﴿الأعلى﴾ [طه: ٦٨] إشارة إلى أنه تعالى يُعده لمهمة كبرى، وأن لهذه العصا دوراً من الخصوم، وسوف ينتصر عليهم، ويكون هو الأعلى.


الصفحة التالية
Icon