وقوله ﴿فِي عِبَادِكَ الصالحين﴾ [النمل: ١٩] دليل على تواضع سيدنا سليمان عليه السلام فمع مكانته ومنزلته يطلب أنْ يُدخِله الله في الصالحين، وأن يجعله في زمرتهم، فلم يجعل لنفسه مَيْزةً ولا صدارة ولا أدَّعى خيرية على غيره من عباد الله، مع ما أعطاه الله من الملْك الذي لا ينبغي لأحد من بعده.
وأعطاه النبوة وحمَّله المنهج، فلم يُورثه شيء من هذا غروراً ولا تعالياً، وها هو يطلب من ربه أن يكون ضمن عباده الصالحين، كما نقول (زقني مع الجماعة دول)، حين تكون السيارة مثلاً كاملة العدد، وليس لي مقعد أجلس عليه.
مَنْ يقول هذا الكلام؟ إنه سليمان بن داود عليهما السلام الذي آتاه الله مُلْكاً، لا ينبغي لأحد من بعده، ومن ذلك كان يُؤثِر عبيده وجنوده على نفسه، وكان يأكل (الردة) من الدقيق، ويترك النقي منه لرعيته.
إذن: لم ينتفع من هذا الملْك بشيء، ولم يصنع لنفسه شيئاً من مظاهر هذا الملك، إنما صنعه له ربه لأنه كان في عَوْن عباد الله، فكان الله في عَوْنه، وأنت حين تُعين أخاك تُعينه بقدرتك وإمكاناتك المحدودة، أما معونة الله تعالى فتأتي على قَدْر قوته تعالى، وقدرته وإمكاناته التي لا حدودَ لها، إذن: فأنت الرابح في هذه الصفقة.
مادة: فقد الفاء والقاف والدال، وكل ما يُشتقّ منها تأتي بمعنى ضاع منه الشيء، ومنه قوله تعالى في قصة إخوة يوسف: {قَالُواْ