وقلنا: إنه اختار هذه الصفة بالذات ﴿الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض﴾ [النمل: ٢٥] لأنه خبير في هذه المسألة، حيث يرى الماء في باطن الأرض، كما يرى أحدكم الزيت في إنائه.
والمراد بالخبْء في السموات: المطر، والخبْء في الأرض. النبات، ومنهما تأتي مُقوِّمات الحياة، فمن ماء المطر وخصوبة الأرض يأتي النبات، وعلى النبات يتغذَّى الحيوان، ويتغذّى الإنسان.
بل إن الحق سبحانه ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥]، كما قال في آية أخرى: ﴿وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ [إبراهيم: ٣٨]، وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله﴾ [آل عمران: ٢٩].
لما تكلّم عن عرش بلقيس قال ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] يعني: بالنسبة لأمثالها من الملوك ولأهل زمانها. فإذا عُرِّف ﴿العرش العظيم﴾ [النمل: ٢٦] فإنه لا ينصرف إلا إلى عرشه تعالى، فله العظمة المطلقة عند كل الخَلْق.
﴿قَالَ سَنَنظُرُ﴾ [النمل: ٢٧] والنظر محلُّه العين، لكن هل يُعرف الصدق والكذب بالعين؟ لا، فالكلمة انتقلت من النظر بالعين إلى العلم بالحجة، فهي بمعنى نعلم، ونقول: هذا الأمر فيه نظر يعني: يحتاج إلى دراسة وتمحيص.