سبق أن تكلمنا في معنى الفتوى، وأنها من الفُتوة أي: القوة، وهي مثل: غَنِيَ فلان أي: صار غنياً بذاته، وأغناه غيره أمدَّه بالغنى، كذلك أفتاه يعني: أعطاه قوة في الحكم والحجة.
وقالت: ﴿في أَمْرِي﴾ [النمل: ٣٢] مع أن الأمر خاصٌّ بالدولة كلها، لا بها وحدها؛ لأنها رمز للدولة وللملْك، وإنْ تعرض لها سليمان فسوف يُخدش مُلْكها أولاً، ويُنال من هيبتها قبل رعيتها.
﴿مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ﴾ [النمل: ٣٢] يعني: لا أَبُتُّ في أمر إلا في حضوركم، وبعد استشارتكم. وهذا يدل على أنها كانت تأخذ بمبدأ الشورى رغم ما كان لها من الملْك والسيطرة والهيمنة.
فردّ عليها الملأ من قومها: ﴿قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ﴾
يعني: نحن أصحاب قوة في أجسامنا، وأصحاب شجاعة وبأس أي جيوش فيها عَدَد وعُدة ﴿والأمر إِلَيْكِ﴾ [النمل: ٣٣] أي: إنْ رأيتِ الحرب، فنحن علىأُهْبة الاستعداد، فهم يعرضون عليها رأيهم دون أنْ يُلزموها به، فهو رَأْي سياسي لا رأي حربي، فهي صاحبة قرار الحرب إنْ أرادتْ ﴿فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣] يعني: نحن على استعداد للسِّلْم وللحرب، وننتظر أمرك.