فيقول: ﴿ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧].
وهكذا دخلتْ المسألة في طَوْر المواجهة؛ لأن كلامنا كلامُ النبوة التي لا تقبل المساومة، لا كلام الملك الذي يسعى لحطام الدنيا.
﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧] وكأنه يكشف لهم عن قَوْل ملكتهم: ﴿إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] وهذه أيضاً من إشراقات النبوة.
ومعنى ﴿لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧] تقول: لا قِبَل لي بكذا. يعني: لا أستطيع مقابلته، وأنا أضعف من أنْ أقابله، أَوْ لا طاقة لي به ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٧] لأنه سيسلب مُلْكهم، فبعد أنْ كانوا ملوكاً صاروا عبيداً، ثم يزيد في حِدّته عليهم ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧] لأنهم قد يقبلون حالة العبودية وعيشة الرعية، فزاد ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧] لأن الصَّغَار لا يكون إلا بالقَتْل والأَسْر.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿قَالَ ياأيها الملأ﴾
الملأ: أشراف القوم وسادتهم وأصحاب الرأي فيهم ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] هنا أيضاً مظهر من إشراقات النبوة عند سليمان، فهو يعلم ما سيحدث عندهم حينما تعود إليهم هديتهم، وأنهم سيسارعون إلى الإسلام، فردُّ الهدية يعني أننا أصحاب كلمة ورسالة ومبدأ ندافع عنه لا أصحاب مصلحة.