فلن يدوم لفرعون هذا الظلم؛ لأن الله تعالى كتب ألاّ يفلح ظَلُوم، وألاَّ يموت ظلوم، حتى ينتقم للمظلوم منه، ويُريه فيه عاقبة ظلمه، حتى إن المظلوم ربما رحم الظالم، وحَسْبك من حادث بامرىء ترى حاسديه بالأمس، راحمين له اليوم.
وهنا تُطالعنا غضبة الحق تبارك وتعالى للمؤمنين ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض﴾ [القصص: ٥] والمنة: عطاء مُعوّض، وبدون مجهود من معطي المنة، كأنها هِبَة من الحق سبحانه، وغضبة لأوليائه وأهل طاعته؛ لأن الحق تبارك وتعالى كما قال الإمام علي: إن الله لا يُسلِم الحق، ولكن يتركه ليبلو غَيْرة الناس عليه، فإذا لم يغاروا عليه غَارَ هو عليه.
والحق تبارك وتعالى حينما يغَارُ على الذين استُضعِفوا لا يرفع عنهم الظلم فحسب، وإنما أيضاً ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] أئمة في الدين وفي القيم، وأئمة في سياسة الأمور والملك ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين﴾ [القصص: ٥] أي: يرثون مَنْ ظلمهم، ويكونون سادةً عليهم وأئمةً لهم، فانظر على كم مرحلة تأتي غيرة الله لأهل الحق.
ولولا أن فرعون الذي قوي على المستضعفين وأذلَّهم تأبَّى على الله ورفض الانقياد لشملته رحمة الله، ولعاشَ هو ورعيته سواء؟
لذلك أهل الثورات الذين جاءوا للقضاء على أصحاب الفساد وإنصاف شعوبهم ممَّنْ ظلمهم، كان عليهم بعد أنْ يقضوا على الفساد، وبعد أن يمنعوا المفسد أن يُفسِد، ويحققوا العدالة في المجتمع، كان عليهم أنْ يضموا الجميع إلى أحضانهم ورعايتهم، ويعيش الجميع بعد تعديل الأوضاع سواسية في مجتمعهم، وبذلك نأمن الثورة المضادة.