لا فائدةَ منه، وذكروا قوله تعالى:
﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ على عيني﴾ [طه: ٣٨٣٩].
لكن فَرْق بين الوحي الأول والوحي الآخر: الوحي الأول خاص بالرضاعة في مدة الأمان، أما الآخر فبعد أنْ خافت عليه أوحى إليها لتقذفه في اليم.
وتأمل ﴿أَنِ اقذفيه﴾ [طه: ٣٩] والقذف إلقاء بقوة، لا أنْ تضعه بحنان ورفق؛ لأن عناية الله ستحفظه على أي حال ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] وهذا أمر من الله تعالى لليمِّ أن يخرج الوليد سالماً إلى الساحل؛ لذلك لم يأت في هذا الوحي ذِكْر لعملية الرضاعة.
فكأن الوحي الأول جاء تمهيداً لما سيحدث؛ لتستعد الأم نفسياً لهذا العمل، ثم جاء الوحي الثاني للممارسة والتنفيذ، كما تُحدِّث جارك، وتُحذِّره من اللصوص وتنصحه أنْ يحتاط لهذا الأمر، فإذا ما دخل الليل حدث فعلاً ما حذّرتَه منه فَرُحْت تنادي عليه ليسرع إليهم ويضربهم.
لذلك يختلف أسلوب الكلام في الوحي الأول، فيأتي رتيباً مطمئناً: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ [القصص: ٧] هكذا في نبرة هادئة لأن المقام مقام نصح وتمهيد، لا مقام أحداث وتنفيذ.
أما الوحي الثاني فيأتي في سرعة، وبنبرة حادة: ﴿أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] فالعَجلة في اللفظ تدلُّ على أن المقام مقام مباشرة للحدث فعلاً.


الصفحة التالية
Icon