أما الحكم الثالث فيعلم المجتمع المسلم أو حتى الإنساني إذا رأى المراة قد خرجت للعمل فلا بد أنه ليس لها رجل يقوم بهذه المهمة، فعليه أن يساعدها وأنْ يُيسِّر لها مهمتها.
وأذكر أنني حينما سافرت إلى السعودية سنة ١٩٥٠ ركبتُ مع أحد الزملاء سيارته، وفي الطريق رأيته نزل من سيارته، وذهب إلى أحد المنازل، وكان أمامه طاولة من الخشب مُغطَّاة بقطعة من القماش، فأخذها ووضعها في السيارة، ثم سِرْنا فسألتُه عما يفعل، فقال: من عاداتنا إذا رأيتُ مثل هذه الطاولة على باب البيت، فهي تعني أن صاحب البيت غير موجود، وأن ربة البيت قد أعدَّتْ العجين، وتريد مَنْ يخبزه فإذا مَرَّ أحدنا أخذه فخبزه، ثم أعاد الطاولة إلى مكانها.
وفي قوله تعالى: ﴿لاَ نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرعآء﴾ [القصص: ٢٣] إشارة إلى أن المرأة إذا اضطرتْ للخروج للعمل، وتوفرْت لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تولى إِلَى الظل فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] فكان موسى عليه السلام طوال رحلته إلى مَدْين مسافراً بلا زاد حتى أجهده الجوع، وأصابه الهزال حتى صار جِلْداً على عظم، وأكل من بقل الأرض، وبعد أن سقى


الصفحة التالية
Icon