وهنا يقول سبحانه: ﴿تَنزِيلُ الكتاب لاَ... ﴾.
مادة (نزل) وردتْ في القرآن بلفظ: نزل، ونزَّل، وأنزل، أنزل تدل على التعدية، يعني: أن الله تعالى عدَّى القرآن من اللوح المحفوظ، إلى أنْ يباشر مهمته في السماء الدنيا، وهذا الإنزال من الله تعالى.
أما نزَّل فالتنزيل مهمة الملائكة؛ لذلك يقول تعالى في الإنزال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر﴾ [القدر: ١] أي: من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم تتنزَّل به الملائكة مُنجَّماً حسب الأحداث، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ [الشعراء: ١٩٣]
ويقول سبحانه: ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ... ﴾ [الإسراء: ١٠٥] فقد كان محفوظاً عندنا في اللوح المحفوظ ﴿لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ [الواقعة: ١٩٣] ثم نزل به الروح الأمين جبريل.
وما دام ﴿نَزَلَ بِهِ... ﴾ [الشعراء: ١٩٣] فهذا يعني أن القرآن نزل معه، فقوله: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ [الشعراء: ١٩٣] تساوي تماماً ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ... ﴾ [الإسراء: ١٠٥]. فالنزول يُنسَب مرة إلى القرآن، ومرَّة إلى الروح الأمين.
ومادة نزل وما يُشتق منها من إنزال وتنزيل تفيد كلها أنه جاء من جهة العلو إلى جهة أسفل منه، كأنك تتلقّى من جهة أعلى منك وأرفع، وما دُمْتَ تتلقى من جهة أعلى منك، فإيَّاك أنْ يضل بك الفكر لناحية أخرى.