الآن، ونستطيع التدليل على صحتها دليلاً حسياً، فهذه قضية واقعة ومجزوم بصحتها، وعليها دليل في الكون.
فإنْ كانت القضية غَيْرَ مجزوم بها، فهي بين ثلاث حالات: إما فيها شكّ، أو ظنّ، أو وهم: الشك أنْ تتساوى الكِفَّتان: الإثبات والنفي، والظن أن تغلب جانب الإثبات فلا تجزم به إنما ترجِّحه، فإنْ غلَّبْتَ الأخرى وجعلتها هي الراجحة، فهذا توهم.
وهنا قال سبحانه ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ..﴾ [السجدة: ٢] لا شكَّ فيه، فنفى الشكَّ، وهو تساوي النفي والإثبات، وما دام قد نفى التساوي، فهذا يعني أنه أراد أنْ يثبت الأعلى. أي: أنه حقٌّ لا يرقى إليه الشك.
وجملة ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ..﴾ [السجدة: ٢] جملة اعتراضية بين ﴿الكتاب..﴾ [السجدة: ٢]، وبين ﴿مِن رَّبِّ العالمين﴾ [السجدة: ٢] وما دام أنه من ﴿مِن رَّبِّ العالمين﴾ [السجدة: ٢] فلا بُدَّ أنه حقٌّ لا ريب فيه.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه بَلْ... ﴾.
عجيب أنْ يقابلَ العربُ كلامَ الله بهذا الاتهام، وهم أمة فصاحة وبلاغة وبيان، وقد بلغوا في هذا شأناً عظيماً، حتى جعلوا للكلام معارض وأسواقاً، كما نقيم الآن المعارض لمنتجاتنا، ولا يُعرض في المعارض هذه إلا السلع الجيدة محلّ الفخر، فقبل الإسلام كان في عكاظ وذي المجاز مضمار للقول وللأداء البياني بين الأدباء والشعراء.