يعني: في طرفة عين لما عنده من العلم؛ لذلك لما رأى سليمانُ العرشَ مستقراً عنده في لمح البصر، قال: ﴿قَالَ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ... ﴾ [النمل: ٤٠]
إذن: الفعل يستغرق من الزمن على قدْر قوة الفاعل، فكلما زادتْ القوة قَلَّ الزمن، وقد أوضحنا هذه المسألة في كلامنا على الإسراء والمعراج.
ومعنى: ﴿مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] أي: من سنينكم أنتم.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿ذلك عَالِمُ الغيب..﴾.
قوله تعالى ﴿ذلك..﴾ [السجدة: ٦] إشارة إلى تدبير الأمر من السماء إلى الأرض، ثم متابعة الأمر ونتائجه، هذا كله لأنه سبحانه ﴿عَالِمُ الغيب والشهادة..﴾ [السجدة: ٦] وأنه سبحانه ﴿العزيز الرحيم﴾ [السجدة: ٦] فالحق سبحانه يُعلِّمنا أن الآمر لا بد أنْ يتابع المأمور.
وقلنا: إن عالم الغيب تعني أنه بالأوْلى يعلم الشهادة، لكن ذكر الحق سبحانه علمه بالشهادة حتى لا يظن أحد أن الله غَيْب، فلا يعلم إلا الغيب، وقد بيَّنّا معنى الشهادة هنا حينما تكلَّمنا عن قوْل الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ [الأنبياء: ١١٠]
والجهر أو الشهادة يعني الجهر المختلط حين تتداخل الأصوات، فلا تستطيع أنْ تُميِّزها، مع أنها جهر أمامك وشهادة، أما الحق سبحانه فيعلم كل صوت، ويردُّه إلى صاحبه، فعِلْم الجهر هنا أقوى من علم الغيب.