فالمعنى هنا أن الله تعالى قدَّم الوفاة على الرفع، حتى لا يظن أحد أن عيسى - عليه السلام - تبرأ من الوفاة، فقدَّم الشيء الذي فيك شكٌّ أو جدال، وما دام قد توفّاه الله فقد أخذه كاملاً غير منقوص، وهذا يعني أنه لم يُصْلَب ولم يُقتل، إنما رفعه الله إليه كاملاً.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت..﴾ [السجدة: ١١] جاءت ردّا على قولهم: ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ... ﴾ [السجدة: ١٠] فالحق الذي قال أنا خلقتُ الإنسان لم يقُلْ وأنا سأعدمه إنما سأتوفاه، فهو عندي كاملٌ بروحه وبذراته التكوينية، والذي خلق في البَدْء قادر على الإعادة، وجمع الذرات التي تشتتت.
وقوله عن ملك الموت ﴿الذي وُكِّلَ بِكُمْ..﴾ [السجدة: ١١] أي: يرقبكم ولا يغفل عنكم، يلازمكم ولا ينصرف عنكم، بحيث لا مهربَ منه ولا فكَاك، كما قال أهل المعرفة: الموت سهم انطلق إليك فعلاً، وعمرك بمقدار سفره إليك، فهو واقع لا محالة. كما قلنا في المصيبة وأنها ما سُمّيت مصيبة إلا أنها ستصيبك لا محالة.
وقوله: ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: ١١] أي: يوم القيامة.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون... ﴾.
تصوِّر لنا هذه الآية مشهداً من مشاهد يوم القيامة، يوم يُساق