وقال ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥]
والحق سبحانه وتعالى - حينما يريد أنْ يُدلِّل لخَلْقه على قدرته يجعل من الضعف قوة، ومن القوة ضعفاً، وانظر إلى حال المؤمنين الأوائل، وكم كانوا أذلة مستضعفين، فلما أسلموا رفعهم الله بالإسلام وجعلهم سادة.
ومشهورة قصة الصِّدِّيق أبي بكر لما أَدخل عليه المستضعفين أمثال: عمار وبلال.. وترك صناديد قريش بالباب، فعاتبه أبوه على ذلك: كيف يُدخِل العبيد ويترك هؤلاء السادة بالباب؟ فقال أبو بكر: يا أبي، لقد رفع الإسلام الخسيسة، وإذا كان هؤلاء قد ورمتْ أنوفهم أن يدخل العبيد قبلهم، فكيف بهم حين يُدخِلهم اللهُ الجنةَ قبلهم؟
وعجيب أن يصدر هذا الكرم من الصِّدِّيق أبي بكر، مع ما عُرِف عنه من اللين ورِقَّة القلب والحلم.
وهذا لون من تبديل الأحوال واجتماع الأضداد، وقد عرض الحق - تبارك وتعالى - لهذه المسألة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٠] يعني: يسخرون منهم ويهزأون بهم، كما نسمع من أهل الباطل يقولون للإنسان المستقيم (خدنا على جناحك).