ثم يقول الحق سبحانه: ﴿فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ... ﴾.
والتقدير: ذوقوا العذاب، كما جاء في آية أخرى ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ [القمر: ٤٨] ويُقال هذا لزعماء ورءوس الكفر ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٩]
واختار حاسة التذوق؛ لأن كل وسيلة إدراك قد تتصل بلون من ألوان الترف في الحياة، أمَّا الذوق فيتصل بإمداد الحياة، وهو الأكل والشرب، وبهما قوام حياة الإنسان، فهما ضرورتان للحياة لا مجردَ ترف فيها.
وفي موضع آخر، يُبيِّن لنا الحق سبحانه أثر الإذاقة، فيقول عن القرية التي كفرت بربها: ﴿فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢] وتصور أن يكون الجوع لباساً يستولي على الجسم كله، وكأن الله تعالى يريد أنْ يُبين لنا عضة الجوع، التي لا تقتصر على البطن فحسب، إنما على كل الأعضاء، فقال ﴿لِبَاسَ الجوع... ﴾ [النحل: ١١٢] لشمول الإذاقة، فكأن كل عضو في الجسم سيذوق ألم الجوع، وهذا المعنى لا يؤديه إلا اللفظ الذي اختاره القرآن.
وقد فطن الشاعر إلى هذه الشمولية التي تستولي على الجسم كله، فقال عن الحب الإلهي حين يستشرف في القلب ويفيض منه ليشمل كلَّ الجوارح، فقال:


الصفحة التالية
Icon