والقرآن الكريم لم يأْتِ بالإلهام ولا بالكلام من وراء الغيب والحُجُب، إنما جاء عن طريق رسول مَلَك نزل به على رسول الله، فثبت القرآن من هذا الطريق.
ولا بُدَّ في هذه المسألة من التقارب بين الرسول الملَك، والرسول البشر، فلكل منهما طبيعته الخاصة، ولكي يلتقيا لا بُدَّ من أمرين: إما أنْ يرتفع البشر إلى مرتبة الملائكية بحيث يستقبل منها، أو ينزل الملَك إلى مرتبة البشرية بحيث يستطيع أنْ يُلقنها.
لذلك جاء في الحديث أن جبريل عليه السلام نزل إلى مجلس رسول الله في صورة بشرية ليُعلِّم الناس أمور دينهم. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أول الوحي تأخذه قشعريرة، ويتصبب جبينه عرقاً، حينما يأتيه جبريل بالوحي، وما ذاك إلا لالتقاء الملكية بالبشرية، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يبلغ به الجهد حتى يقول: زمِّلوني زمِّلوني، دثِّروني دثِّروني.
وإذا جاءه الوحي وهو جالس مع أصحابه وركبته على ركبة أحدهم يشعر لها بثقل كأنها الجبل، أو يأتيه الوحي وهو على دابة فكانت تئط، لذلك فتر عن رسول الله الوحي بعد فترة ليستريح من هذا الإجهاد، وتبقى له حلاوة ما أُوحي إليه، فيتشوق إليه من جديد.


الصفحة التالية
Icon