سبحانه سواءً كان خوفهم من الموت نابعاً من أعدائهم أو من وباء وطاعون، فالأمر في جوهره لا يختلف، ولو أن الآية ذكرت أنهم خرجوا خوفا من وباء ما كنا فهمنا منها احتمال خروجهم خوفاً من أعدائهم. إذن إبهام السبب المباشر في القضية أعطاها ثراءً.
وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ يبين لنا مدى الخيبة والغباء الذي كانوا فيه، لأنهم كيف يخرجون خائفين من الأعداء وهم ألوف مؤلفة. ولم يظهر واحد من هؤلاء الألوف ليقول لهم: إن الموت والحياة بيد الله. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ﴾.
وساعة تأمر مأمور منك بأمر فلا بد أن يكون عندك طلاقة قدرة أن تفعل، وهل إذا قلت لأحد: مت، سيموت؟ إذا أمات نفسه فقد قتلها، وفرق كبير بين الموت والقتل. إنما الموت يأتي بلا سبب من الميت، ولكن القتل ربما يكون بسبب الانتحار أو بأي وسيلة أخرى، المهم أنه قتل للنفس وليس موتا.
ويوضح لنا الحق الفرق بين القتل والموت حين يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشاكرين﴾ [آل عمران: ١٤٤]
ولقد جاءت هذه الآية في مجال استخلاص العبر من هزيمة أحد حين شاع بين المسلمين أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد قتل، ففكر بعض منهم في الارتداد، وجاء قول الحق موضحاً أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو نبي سبقه رسل جاءوا بالمنهج، والأمة المسلمة التي أمنها الله على تمام المنهج لا يصح أن يهتز الإيمان فيها بموت الرسول الكريم؛ لأن من ينقلب ويرتد فلن يضر الله شيئاً، إنما الجزاء سيكون للشاكرين العارفين فضل منهج الله.
ولنا أن نعرف أن الحق سبحانه جاء بالموت كمقابل للقتل، وأوضح في الآية


الصفحة التالية
Icon