ولذلك تجد كثيرا من الناس الذين يتحمسون للإصلاح وللخير، هم أناس قد تكون فيهم زاوية من زوايا الإسراف على نفوسهم في شيء، وبعد ذلك يتجهون لعمل الخيرات في مجالات كثيرة جدا، كأن الله يقول لكل منهم: أنت اختلست من محارمي شيئا وأنا سآخذك إلى حلائلي، إنه الحق يجعل من معصية الفرد السابقة سياطا دائمة تلهب ضميره فيتجه إلى الخير، فيتصدق على الفقراء، وربما كان أهل الطاعة الرتيبة ليس في حياتهم مثل هذه السياط.
ولكن الذين أسرفوا على أنفسهم هم الذين تلهبهم تلك السياط، فساعة يرى الواحد منكم إنسانا قد أسرف على نفسه فليدع الله له بالهداية، واعلم تمام العلم أن الله سيُسَخِّر منه ما يفعل به الخير؛ لأن أحدا لن يسرق الكون من خالقه أبدا. وهذا ينطبق على من قال عنهم الله: ﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك وَأَصْلَحُواْ﴾ (وأصلحوا) أي عملوا صلاحات كثيرة لأن حرارة إسرافهم على نفوسهم تلهب ظهورهم دائما، فهم يريدون أن يصنعوا دائما أشياء لاحقة تستر انحرافاتهم السابقة وتذهبها.
وبعد ذلك يقول الحق: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازدادوا كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ... ﴾
هذه الآية تحدث عن أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم، وازدادوا كفرا، هؤلاء لا تقبل توبتهم وهم الضالون، وقد جاءت مقابلة للآية السابقة، أناس تابوا وأناس لم يتوبوا. لكن كيف يزداد الكفر؟ إنه قد كفر في ذاته، وبعد ذلك كان عائقا لغيره عن أن يؤمن، وهو لا يكتفي بخيبته، بل يحاول أن ينشر خيبته على الآخرين، وفي ذلك ازدياد في الكفر والعياذ بالله، وهذا القول قد نزل في بعض من اليهود الذين آمنوا بالبشارات التي تنبأت بمقدم عيسى عليه السلام، فلما جاء عيسى كفروا به، ولما جاء محمد ازدادوا كفرا.


الصفحة التالية
Icon