ولنا أن نلحظ أن قول الحق في الآية الأولى جاء بتقديم القتل على الموت قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ﴾ وجاء في هذه الآية بتقديم الموت على القتل قال - جل شأنه -: ﴿وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ فقدم القتل على الموت في الآية الأولى لأنها جاءت في المقاتلين، والغالب في شأنهم أن من يلقى الله منهم ويفضي إلى ربه يكون بسبب القتل أكثر مما يكون بسبب الموت حتف أنفه، أما هذه الآية فقد جاءت لبيان أن مصير جميع العباد - ومرجعهم يوم القيامة يكون إلى الله - تعالى - وأن أكثرهم تزهق نفسه وتخرج روحه من بدنه بسبب الموت، فلذا قدم الموت هنا على القتل. إذن فكل كلمة وجملة جاءت مناسبة لموقعها. إنه قول الحكيم الخبير.
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر... ﴾
إن الآية كما نرى تبدأ بكلام إخباري هو ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾. فكأنه - سبحانه - يريد أن يقول: إن طبيعتك يا محمد طبيعة تتناسب لما يطلب منك في هذه المسألة، هم خالفوك وهم لم يستجيبوا لك حينما قلت: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله إني رسول الله، وهذا شيء يٌحْفِظ ويُغضِب. ولكنه لا يُحفِظ طبيعتك ولا يُغضب سجيتك لأنك مفطور مع أُمّتك على الرحمة. فكأنه يريد أن يُحنن رسول الله على أمته التي أصابته بالغم؛ فقال له: إياك أن تجازيها على هذا؛ لأن طبيعتك أنك رحيم، وطبيعتك أنك لست فظاً، طبيعتك أنك لست غليظ القلب، فلا تخرج عن طبيعتك في هذه المسألة، مثلما تأتي لواحد مثلا وتقول له: أنت طبيعة أخلاقك حسنة، يعني اجعلها حسنة في هذه.


الصفحة التالية
Icon