تكون كلمة الله هي العليا فكيف يرضى لنفسه بهذه المهانة وهي إخفاء الغنيمة؟ إنه يحارب من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ويجب أن يكون في مستوى ذلك.
وبعد ذلك يأتي الحق بالقضية العامة: ﴿ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾، وهي تشمل الغلول في الغنيمة والغلول في غير الغنيمة، ولنتصور هذه بالنسبة لكل من يخون أمانة أؤتمن عليها، وأنه سيأتي يوم القيامة يحمل عمارة - مثلا - لأنه بناها بغير أمانة أو يحمل أطنانا من سمك لأنه سرقها، أو يحمل أطنانا من الجبن الفاسد التي استوردها. فكل من سرق شيئا سيأتي يوم القيامة وهو يحمله، وإذا كنا نشهد أن الناس لا تطيق أن تفضح بين الخلق، والخلق محدودون لأنهم المعاصرون، فما بالك بالفضيحة التي ستكون لعموم الخلق من أول آدم إلى أن تقوم الساعة. إذن فعلى كل إنسان أن يحرس نفسه لأن المسألة ستنفضح.
﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ وما دام سبحانه سيوفى كل نفس ما كسبت فكل سيأخذ قدر ما فعل، فلا ظلم، فلو ترك الأمر بلا حساب لكان هذا هو الظلم وحاشا لله أن يظلم أحدا، وبعد تلك التهيئة والإيضاح يقول سبحانه: ﴿أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير﴾
والحق سبحانه وتعالى حين يطرح بعض القضايا طرح الاستفهام، فهو يطرحها لا ليعلم هو فهو عالم، ولكن ليستنطق السامع، ونطق السامع حجة فوق خبر المخبر، فلو قال: إن الذي يتبع رضوان الله لا يساوي من ذهب إلى سخط الله لكان ذلك إخبارا منه وهو صادق فيما يقول، لكنه سبحانه يريد أن يستنطق عباده بالقضية، ﴿أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله كَمَن بَآءَ﴾ ﴿بَآءَ﴾ أي: رجع ﴿بِسَخَطٍ مِّنَ الله﴾.