العظمة إنه خلق الرجل وخلق الأنثى؛ وهى من جنسه، ولكنها تختلف معه في النوع بحيث إذا التقيا معا أنشأ الله منهما لاجالا ونساء. إذن فهو عملية مقصودة، وعناية وغاية وحكمة، إذن فقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ هذه جاءت بالدليل الذي هُدى إليه العالم الفرنسى «مونيه» أخيرا. ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ وانظروا عظمة الأسلوب في قوله ﴿وَبَثَّ﴾ أى «نشر» وسنقف عند كلمة «نشر» لأن الخلق يجب أن ينتشروا في الأرض، كى يأخذوا جميعا من خيرات الله في الأرض جميعا.
و «النشر» معناه تفريق المنشور في الحيز، فهناك شىء مطوى وشىء آخر منشور، والشىء المطوى فيه تجمع، والشىء المنشور فيه تفريق وتوزيع، إذن فحيز الشىء المتجمع ضيق، وحيز الشىء المبثوث واسع، معنى هذا أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ أى من آدم وحواء ﴿رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ واكتفى بأن يقول ﴿َنِسَآءً﴾ ولم يقل: كثيرات لماذا؟ لأن المفروض في كل ذكورة أن تكون أقل في العدد من الأنوثة.
وأنت إذا نظرت مثلا في حقل فيه نخل، تجد كم ذكرا من النخيل، وكم أنثى؟ ستجد ذكراً أو اثنين.
إذن القلة في الذكورة مقصودة لأن الذكر مخصب ويستطيع الذكر أن يخصب آلافا، فإذا قال الله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً﴾ فالذكورة هى العنصر الذي يفترض أن يكون أقل كثيرا، فماذا عن العنصر الثاني وهو الأنوثة؟ لابد أن يكون أكثر، والقرآن يأتى لينبهك إلى المعطيات فى الألفاظ لأن المتكلم هو الله، ولكن إذا نظرت لقوله: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا﴾ أى من آدم وحواء وهما اثنان ﴿رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ فتكون جمعا وهذا ليدلك على أن المتكاثر يبدأ بقلة ثم ينتهي بكثرة.
ونريد أن نفهم هذه كى نأخذ منها الدليل الإحصائي على وجود الخالق، فهو ﴿بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ والجمع البشرى الذي ظهر من الاثنين سيبث منه أكثر.. وبعد ذلك يبث من المبثوث الثاني مبثوثا ثالثا، وكلما امتددنا في البث تنشأ


الصفحة التالية
Icon