وتقولون: بحق الرحم الذي بيني وبينك، أنا من أهلك، وأنا قريبك وأمُّنا واحدة، أرجوك أن تحقق لي هذا الأمر. ولماذا جاءت ﴿الأرحام﴾ هنا؟ لأن الناس حين يتساءلون بالأرحام فهم يجعلون المسئولية من الفرد على الفرد طافية في الفكر، فمادمت أنا وأنت من رحم واحد، فيجب أن تقضى لي هذا الشىء. إذن فمرة تسألون بالله الذي خلق، ومرة تسألون بالأرحام لأن الرحم هو السبب المباشر في الوجود المادي، ومثال ذلك قول الحق:
﴿واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ [النساء: ٣٦] لقد جاء لنا بالوالدين اللذين هما السبب في ايجادنا، والله يريد من كل منا أن يبر والديه، ولكن قبل ذلك لابد أن ينظر إلى الذي أوجدهما، وأن يُصعد الأمر قليلا ليعرف أن الذي أوجدهما هو الله سبحانه.
ويختم الحق الآية بقوله: ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ لأن كلمة ﴿اتقوا﴾ تعني اجعل بينك وبين غضب ربك وقاية بإنفاذ أوامر الطاعة، واجتناب ما نهى الله عنه ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾، والرقيب من «رقب» إذا انظر ويقال: «مرقب»، ونجد مثل هذا المرقب في المنطقة الت تحتاج إلى حراسة، حيث يوجد «كشك» مبنى فوق السور ليجلس فيه الحارس كى يراقب. ومكان الحراسة يكون أعلى دائما من المنطقة المحروسة، وكلمة «رقيب» تعني ناظرا عن قصد أن ينظر، ويقولون: فلان يراقب فلانا أى ينظره، صحيح أن هناك من يراه ذاهبا وآتيا من غير قصد منهم أن يروه، لكن إن كان مراقبا، فمعنى ذلك أن هناك من يرصده وسبحانه يقول: ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ فليس الله بصيرا فقط ولكنه رقيب أيضا - ولله - المثل الأعلى.
نحن نجد الإنسان قد يبصر مالا غاية فى إبصاره، فهو يمر على كثر من الأشياء قيبصرها، لكنه لا يرقب إلا من كان فى باله. والحق سبحانه رقيب علينا جميعا كما في قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ [الفجر: ١٤]


الصفحة التالية
Icon