إن الله سبحانه يحترم حركة العبد، ويحترم ما ملك العبد بعرقه، ويوصي الحق العبد الغني: إن أخاك العبد الفقير في حاجة، فأقرضني - أنا الله - بإعطائك الصدقة أو الزكاة لأخيك الفقير. ولم يقل للعبد الغني: أقرض أخاك، ولكنه قال أقرضني. لماذا لأنه سبحانه هو الذي استدعي الخلق إلى الوجود، وهو المتكفل برزقهم جميعاً.
. المؤمن منهم والكافر. ولذلك ضمن الرزق للجميع وأمر الأسباب بأن تستجيب حتى للكافر، لأنه سبحانه هو الذي استدعاه للوجود.
وسبحانه وضع هذا التوريث، ليصنع التفتيت الإنسيابي للملكية حتى لا يأتي التفتيت القسري الذي يجعل بعضاً من الأبناء وقد نشأوا في نعمة وأخذوا من مسائل الحياة ما يريدون، وعندما يأتي عليهم هذا التفتيت القسري، يصبحون من المساكين الذين فاجأتهم الأحداث القسرية بالحرمان، فهم لم يستعدوا لهذا الفقر المفاجئ. لكن عندما يأتي التفتيت الانسيابي فكل واحد يعد نفسه لما يستقبله، وبذاتية راضية وبقدرة على الحركة، ولذلك قال الحق: ﴿إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٦].
إنه سبحانه لا يقول: أنا الذي ملكتك هذا المال، ولا أنا الذي رزقتك هذا الرزق، مع أنه - سبحانه - هو الذي ملكك ورزقك هذا المال حقا ولكنه يوضح لك حقك في الحركة، فيقول بعد ذلك: ﴿إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ [محمد: ٣٧].
ولو ألح عليك فأنت تبخل بها لأنك جنيتها بتعب وعرق. ولكن ما الفرق بين إنسان لم يسرف على نفسه، بل عاش معتدلا، ثم أبقى شيئاً لأولاده؛ والذي جاء بدخله كله وبدده فيما حرمه الله وأسرف على نفسه في المخدرات وغيرها، ما الفرق بين هذا وذاك؟