ولكن أصل الإيمان موجود بالقرآن المعجز الذي ينزل من السماء؛ بالمعجزة بالتوحيد، والقضايا العقدية، كل هذه لا يوجد فيها خلاف.
﴿يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ إلزام لهم بالحجة، وتعني: نحن لا نكلمكم بكلام لا تعرفونه؛ لأنه يقول: ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ إنّهم يعلمون ما معهم جيداً، فكان من الواجب أن يقارنوا ويوازنوا ما جاء لهم من جديد على يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما عندهم، فإن وجدوه مصدقاً لما عندهم فقد انتهت المسألة.
ثم انظر إلى التهديد ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السبت وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾ سبحانه يناديهم: بادروا، كما نقول مثلاً: «الحق نفسك وآمن» ويقول الحق: ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ﴾. والطمس هو: المحو. فالشيء الذي طمس هو الذي مُحي بعدما كان شيئاً مميزاً، وكلمة «وجوه» وردت في القرآن بمعانٍ متعددة، فتطلق مرة في البدن على ما يواجه وهو «الوجه» كما في قوله:
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦].
ونطلق الكلمة مرة على القصد والنية والوجهة، قال تعالى: ﴿بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ﴾ [البقرة: ١١٢].
و «أسلم وجهه» تعني قصده ووجهته ونيته.
إذن فمرة يطلق الوجه على الوجه الذي به المواجهة، ومرة يطلق على القصد، وما العلاقة بين القصد، والنية، والوجه؟. لأن الإنسان إذا قصد شيئاً اتجه إليه بوجهه، وسار له. إذن فالوجه يطلق على هذه الجارحة «الوجه»، ويطلق على القصد والنية. وما دام يطلق بإطلاقين فيطلق على الوجه المعروف فينا، ويطلق على القصد والنية التي توجهنا فالاثنان يصحان.


الصفحة التالية
Icon