وهذا يلفتنا إلى أن الحق سبحانه وتعالى لا يريد أن نلف قضايا الخصوم لفاً بحيث لا نعرفها، ولكنه يعرض قضية الخصوم عرضا ثم يكر عليها بالنقد ليربى - كما قلنا - المناعة الإيمانية، حتى لا تفاجئ قضية كفرية عقيدة إيمانية؛ فسبحانه يعرض قضايا الكفار ويوضح لنا: سيقولون كذا فقولوا لهم كذا.
مثال ذلك: عندما قالوا: إن الله اتخذ ولداً قال الحق: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً﴾ [الكهف: ٥].
فهو سبحانه يعرض قضايا الخصوم؛ لأن الذي يحاول أن يلف قضية الخصوم يكون مشفقاً منها، لكن من يعرضها ينبه عقل السامع إليها ليبطلها ويقول: «هاي هي ذي نقاط الضعف في هذه القضية».
وحينما قالوا: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ﴾ أرادوا بهذا القول أن يصنعوا مضارة بين الله ورسوله، فأوضح الحق سبحانه؛ قل لهم يا محمدُ:
«كل من عند الله»، وتتجلى دقة الحق سبحانه في أنه جعل محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكيلاً في البلاغ عنه، وكان من الممكن أن يسوق الحق القضية بدون «قل».
لكنه سبحانه أراد في هذه أن يوسط رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أنه يقول: «قل كل من عند الله». و «كل» تعني: كُلاً من الحسنة ومن السيئة. ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لنا أن قضايا الوجود تتسق مع فطرة الإيمان.
ولقد وقع خلاف طويل بين العلماء في أفعال العباد، وتساءلوا: هل يفعل العبد أي فعل بنفسه، أو أن الله هو الذي يجري على عباده الأفعال؟. فإذا كان العبد هو الذي يفعل الفعل فمن العدالة أن يتلقى الثواب أو العذاب جزاء ما قدم. وإذا كان الله هو الذي يجري كل الأفعال فلماذا يعذبه الله؟. ودخل العلماء في متاهة كبيرة.
وهنا نقول: يجب أن تفهم أن الحق حينما خلق الكون جعل فيه سُنناً، ومن