آمنوا به ومادام المؤمن قد آمن بالله إلهاً فليتجه إلى ما يريده الله من أحكام ليفعلها لكن عمومية الآية قد تجعل واحداً يعزل الآية عن صدرها، رغبة في التشكيك في الإسلام، فيقول: إن الله يقول إنه يحكم ما يريد، وقد أراد من الناس من يؤمن ومن لا يؤمن، فكيف يقول: ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾، بينما لا يؤمن الكل؟.
ونقول: لا تعزل الآية عن صدرها؛ لأن الله إنما يخاطب في هذه الآية من آمن به رباً، ومن آمن بالإله يعمد ويقصد ويتجه إلى ما يريده الله من حكم ليطبقه. ولا يعتقدَنَّ أحد أنّ الكافرين خارجون عن إرادته سبحانه في قوله: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ فالذي تمرد على حكم الله يقتضيه المنطق أن يظل متمرداً على حكم الإله.
لكن المتمرد على حكم الله التكليفي الشرعي لا يجرؤ ولا يملك أن يكون منطقياً مع نفسه، فإن حكم الله عليه بالضعف. فليقل للضعف: لا، أنا لن أضعف وأنا قوي. لا أحد يملك من مثل هذا الأمر شيئاً. المتمرد يأخذه ملك الموت وهو غير مريض، فماذا إذن يصنع تمرد المتمرد إزاء الموت؟
إذن هناك أمور يخضع فيها الإنسان - كل إنسان - لحكم الله. وخضوع الإنسان لحكم الله في بعض الأمور أقوى من خضوع المؤمن لها؛ لأن المؤمن حين آمن بالله يستقبل الموت - على سبيل المثال - كحكم من الله، أما المتمرد الذي لا يصلي ولا يؤدي أي أمر تكليفي، ويتعرض للأغيار بما فيها الموت، فهو يعاني من كل ذلك مشقَّة وَحِدّة تفوق حدة استقبال المؤمن للأغيار أو الموت.
إذن فقوله الحق: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ هو قضية عامة؛ لأن الذي تمرد على حكمه سبحانه فيما له فيه اختيار، كان من الواجب أن يكون منطقياً مع نفسه، فيتمرد على حكم يجريه الله عليه، وذلك بعكس كثير من الاحكام الوضعية فإنها لا تقوى على هذا التمرد، ويكون هنا حكم الله أقوى؛ لأن المتمرد لن يجرؤ على الرد على أمر الله. فلا يظنن ظان أن الله جعل للاختيار في العبد طلاقة، لكنه جعل للاختيار في العبد تقييداً، وللقدرة القادرة طلاقة، فإن تمرد متمرد على الإيمان؛ فلن يجرؤ على التمرد في أشياء أخرى. إذن فالله يحكم ما يريد.