﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام﴾ وقبل أن ينزل تحريم زيارة المشركين للبيت الحرام كان من حسن المعاملة ألا يأخذ المؤمنون الكفار الذين يزورون البيت الحرام فيعتدوا عليهم انتقاماً لما فعله الكفار من قبل؛ لذلك أمر الحق المؤمنين ألا يقولوا: ها هم أولاء قد جاءوا لنا فلنرد لهم الصاع صاعين مثلما فعلوا معنا في صلح الحديبية عندما منعونا من البيت الحرام. لأنكم أيها المؤمنون قد أخذتم من الله القوامة على منهجه في الأرض، والقائم على منهج الله في الأرض يجب ألا تكون له ذاتية ولا عصبية أسرية، ولا عصبية قبلية؛ لأنه جاء ليهيمن على الدنيا كلها، ومن الصَّغار أن ينتقم المؤمن من الكافر عندما يأتي إلى بيت الله. ولا يليق ذلك بمهمة القوامة على منهج الله.
ولذلك قال الحق لرسوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
وحينما أمر الحق رسوله أن يحكم بين الناس فذلك الحكم يقتضي عدم تمييز المؤمن على الكافر؛ لأن المسلمين هم القُوَّام، وهم خير أمة أخرجها الله للناس كافة. ولو فهم الناس أن خير الأمة الإسلامية عائد عليهم لما حاربوها.
فنحن - المسلمين - لسنا خيراً لأنفسنا فقط، ولكننا أمة لخير الناس جميعاً. ولذلك قال الحق: ﴿لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ أي لا يصح أن يحملكم الغضب على قوم أن تعتدوا عليهم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية. وعندما يسمع الكافر أن الله سبحانه وتعالى يوصي من آمن به على من كفر به ماذا يكون موقفه؟ إنّه يلمس رحمة الرب. وفي ذلك لذع للكافر لأنه لم يؤمن، لكن لو اعتدى المؤمن على الكافر رداً على العدوان السابق، لقال الكافر لنفسه: لقد رد العدوان.
أما حين يرى الكافر أن المؤمن لم يعتد امتثالاً لأمر الله بذلك، عندئذ يرى أن الإسلام أعاد صياغة أهله بما يحقق لهم السمو النفسي الذي يتعالى عن الضغن والحقد والعصبية، ويعبر الأداء القرآني عن ذلك بدقة، فلم يأت الدين ليكبت عواطف أو