وهذا يختلف عن القول: تعاون مع فلان، أي أن تتشاركا معاً في المعاونة. ومسائل الحياة أكثر من أن تستوعبها موهبة واحدة. فأنت حين تبني بيتاً تحتاج إلى من يحفر الأساس ويبني الجدران.
ومن يصنع الطوب ومن يصنع الأسمنت ومن يصنع الحديد، ولا يستطيع إنسان واحد أن يتعلم كل هذه الحرف ليبني بيتاً. لكن التعاون خصص لكل إنسان عملا يقوم به، فهناك متخصص في كل جزئية يحتاج إليها الإنسان في حياكة الملابس، والطب، والصيدلة وغيرها من أوجه احتياجات الحياة، والحق يأمر: «وتعاونوا» ليسير دولاب الحياة ويستفيد الإنسان من كل المواهب لقاء إخلاصه في أداء عمله، و «تعاونوا» هي أن تأتي بشيء فيه تفاعل ما، ومعنى الشيء الذي فيه تفاعل أنه يوجد «مُعين» و «مُعان».
ولكن المعين لا يظل دائماً معينا، بل سينقلب في يوم ما إلى أن يكون مُعانا، والمعان لا يظل مُعانا، بل سيأتي وقت يصير فيه مُعينا، وهذا هو التفاعل الذي تحتاج إليه أقضية الحياة التي شاءها الله للإنسان الخليفة في الأرض والمطالب أن يعبد الله الذي لا شريك له، وأن يعمر هذه الأرض. ولا تتأتى عمارة الأرض إلا بالحركة فيها، والحركة في الأرض أوسع من أن تتحملها الطاقة النفسية لفرد واحد، بل لا بد أن تتكاتف الطاقات كلها لإنشاء هذه العمارة.
إننا حين نبني عمارة واحدة نستخدم أجهزة كثيرة لطاقات كثيرة بداية من المهندس الذي يرفع مساحة القطعة من الأرض ويرسمها، وإن شاء الترقي في صنعته يصنع نموذجا مجسدا لما يرغب في بنائه، وبعد ذلك يأتي الحافر ليحفر في الأرض ثم من يضع الأساس، ومن يضع الحديد. ومن يصنع «الخرسانة» المسلحة.
ثم يأتي من يرفع البناء، ومن يقوم بالأعمال الصحية من توصيلات للمياه والمجاري، ثم يأتي من يصمم التوصيلات الكهربائية، وهكذا تتعاون طاقات كثيرة لبناء واحد، ولا تتحمله طاقة إنسان واحد.
إذن فالتعاون أمر ضروري للاستخلاف في الحياة. ومادام الإستخلاف في الحياة بقتضي من الإنسان عمارة هذه الحياة، وعمارة الحياة تقتضي ألا نفسد الشيء الصالح بل نزيده صلاحا، وحين يقول الحق: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى